العلوم عند الغرب نوعان:
النوع الأول: علم اللاهوت، وهذا مختص بالأحبار وعلماء الدين الذين يتكلمون عن الصلب، وعن التثليث، وعن الفداء، وعن قضايا العقيدة النصرانية ، كطبيعة المسيح وطبيعة أمه وطبيعة روح القدس، وما يتعلق بذلك، ويحتجون بحجج منطقية وعقلية وفق علم الكلام الغربي النصراني، وهو علم عظيم عندهم، ولا يزال له وزنه، وله جامعات وأقسام في كل من الجامعات الأمريكية والجامعات البريطانية؛ بل أول ما أنشأت جامعات أكسفورد وكابردج وهارفرد أنشأت كجامعات دينية لاهوتية في الأصل، وإلى الآن لا تزال تدرس هذه العلوم.
النوع الثاني من العلوم: العلوم الإنسانية التي مصدرها اجتهاد الإنسان والنظر الإنساني لا الوحي، ولا تتعلق بالكون، فما يتعلق بالكون يسمونه العلوم الطبيعية، وما يتعلق بالإنسان يسمونه العلوم الإنسانية، وكلا النوعين الطبيعية والإنسانية هي علوم إنسانية من جهة أن مصدرها هو الإنسان، وليس للوحي علاقة فيها، فلا توضع كلمة من علم اللاهوت في الجغرافيا ولا في الفيزياء؛ لأنه لا علاقة بينهما بخلاف كتب الكلام عندنا فهي تمزج الحقائق الدينية بالطبيعية وبالرياضية، لكن العلم عندهم منفصل تماماً، والحضارة الغربية قامت على أساس بعث وإحياء الدراسات الإنسانية، ومن هنا استمرت هذه التسمية وتشعبت وتوسعت حتى أصبح في الأدب أدبان: أدب لاهوتي وأدب إنساني، وفي الفن أدبان: فن لاهوتي، وفن إنساني، والأدب اللاهوتي: هو الأدب الذي تتكلم القصة أو القصيدة فيه عن الصلب، وعن حياة المسيح عليه السلام، وعن حياة القديسين، والفن الديني اللاهوتي يرسمون فيه المسيح ويصورونه، ويصورون الأنبياء والقديسين، ويصورون مريم العذراء والصلبان وينحتونها في الكنائس.
وأصبح الفن الإسلامي اليوم هو تصوير النساء العاريات وهن يغنين أو يفعلن أي شيء ليس له علاقة في نظرهم بالدين، كتصوير ومناظر مؤثرة، أو شعر في الطبيعة، أو في الحب والرثاء والمدح.
فالشعر الإنساني ليس له علاقة بالشعر الكهنوتي في الثقافة الغربية، ونحن أصبحنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) فقد دخلت علينا طريقة الملاحدة وطريقة الفلاسفة في كل العلوم الإنسانية التي تدرس، وفي كل النظريات في الإدارة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والأخلاق وما يتعلق بها، وتدرس هذه العلوم من خلال الفلاسفة ابتداءً باليونان والرومان، وانتهاءً بالنظريات الحديثة، والدين لا يذكر في هذه العلوم، وإن ذكر فتذكر آراء قومٍ اتبعوا كلام أولئك الفلاسفة ، ففصلت هذه العلوم عن الدين، ولو أن طالباً في كلية الآداب، أو في كلية العلوم الإنسانية يدرس ماهية الروح، ويدرس في نفس الوقت مادة في الثقافة الإسلامية أو في العقيدة، فإنه يدرس الروح في هذا القسم، كما جاءت في القرآن والسنة من النفس، والفرق بينها وبين الروح بالدليل الشرعي، ثم بعد ساعة أو ساعتين يذهب إلى قسم العلوم الإنسانية ويدرس كلام الملاحدة ، فأقل متوقع أن تحدث الازدواجية في عقله؛ لأنه يدرس هنا كلاماً وهنا كلاماً عكسه، فيقرأ في الفقه أن الربا حرام، ثم يذهب يقرأ في النظريات الاقتصادية الفائدة والنظام البنكي، وكيف تقوم الأعمال البنكية وكيف تتطور.. إلخ.